Friday, April 18, 2008

الرفيقة صفاء عبده "شغل عرب" - نظرة مختلفة

"لا أصعب على البعض من أن يرى جزائريا أخر ينجح. فالنجاح أكبر جريمة يمكن أن ترتكبها في حقه.. وكلما.. ازدادت قرابته منك، ازدادت أسباب حقده عليك لأنه لا يفهم كيف وأنت مثله في كل شيء، تنجح حيث أخفق هو." (أحلام مستغانمي، عابر سرير ص 35).برأيي الشخصي ان العديد من الانتقادات اللاذعة التي أطلقت من قبل عدة جهات فلسطينية اسرائيلية لمسلسل "شغل عرب" (القناة الثانية في اسرائيل) والذي لاقى نجاحا لافتًا كبرنامج فلسطيني اسرائيلي في الوسط اليهودي، معظمها تنتمي لما تحدثت عنه باسهاب الكاتبة الجزائرية اعلاه عن حقد العربي لنجاح عربي اخر.لابد من التنويه الى أن غالبية تلك الانتقادات وجهت لذلك العمل بعد بث جزء ضئيل منه.النقد الهدام أو على الاقل غير البنّاء هو أخر ما يحتاج اليه أي عمل، فنيا كان أم آخر، فما بالك لو وُجه ضد عربي حاول ايصال رسالة "قومه" لـ "الآخر" وذلك الاخر استقبل الرسالة بترحاب.يمكن الاختلاف على الرسالة، لكن بنظري أن رسالة هذا العمل الاساسية هي الصدق والصراحة، تصوير الواقع كما هو بدون تشويه أو رتوش ولا مكياج.هذا نحن! لمَ الخوف من النظر في المراة، ولو كان ذلك أمام الاخر. فأمثال كـ "نشر الغسيل الوسخ"، "خليها جوا تجرح ولا برا تفضح".. هي بقايا عهد الطغيان والاستبداد العثماني الطويل وقبله قهر الامبراطوريات المختلفة التي تناوبت تباعا على أرضنا وخلفت خلفها شعبا مهزوزا ومهزوما.نعم، لغتنا أضحت سلـَطة (مقبلاتها عربية لكن وجبتها الرئيسية، المصطلحات المهمة، عبرية). حتى عندما نحاول الدفاع عن كرامتنا القومية واحترامنا لذاتنا كبشر نستعين بمصطلحات عبرية (كما جاء في المشهد، الشديد الواقعية، الذي توبخ الزوجة فيه زوجها على محاولاته الحثيثة لحل معضلة كيفية تمييز جنود الحاجز أنه عربي فاستعانت بمصطلح ???? ?????? بدلا من مصطلح شعور بالنقص - غير الدارج في كلامنا أصلا).نعم، هناك عرب في الضفة يسرقون سيارات اسرائيلية، لكن بالمقابل وهذا هو الأهم ان المشجع الاساسي لتلك السرقات هو ذاته المسروق منه (الاسرائيلي اليهودي) فهو المستهلك وهو المشجع لتلك البضاعة الرخيصة المسروقة، وذلك بالرغم من علمه اليقين أن تلك البضاعة يمكن أن تكون مسروقة من سيارة جاره أو صديقه أو حتى منه هو نفسه (كما ورد في المسلسل).
أعجبني تصوير الزوجة العربية كزوجة جميلة، ذكية ومثقفة، مع تجديد رائع بنظري، بتصويرها كأكثر ذكاءً وواقعية من زوجها.كما أن جميع الشخصيات الأخرى هي فعلا شخصيات واقعية جدا: الام الحنونة والمغلوب على امرها من زوجها المتسلط. الفتاة العربية العصرية الجميلة المتعلمة والتي تتصارع لديها الافكار القومية بسبب واقعها في داخل دولة ومجتمع لا يعترف بقوميتها مقابل انسانيتها وانوثتها وحبها لحبيبها الاخر.أما شخصية الاب ففعلا هو أب عربي تقليدي متسلط كسول لكنه طيب وحنون أحيانا، "مخلص للدولة" وبذات الوقت لا تزال الاحلام الدونكيشوتية تراوده برجوع الزمن للوراء لنقطة الـ 48 لكن مع نهاية مختلفة ينتصر فيها العرب.لكن الغريب في تلك الشخصية هي بعض الصفات التي أراها غريبة واسرائيلية لم تتغلغل بعد في ذلك الجيل، كاستغلال ابنه ماديا والبخل على الابن، كتحويل مشكلة البيتزا لمشكلة كبرى والقاء اللوم على وزارة البنى التحتية لعدم وجود عناوين محددة بالقرى العربية وانتهاءً باستهزائه بالحاخامات وحتى بيعه للخبز الفصح اليهودي. فانا أرى ان تلك الشخصيات العربية (التي من المفروض بتلك الشخصية أن تمثلهم) الرجلَ العربي التقليدي المتقدم في العمر والذي اعلن اخلاصه للدولة منذ قيامها لضمان عمله "كمدير مدرسة"، عادة ما يتصرفون بخنوع وخضوع امام الحاخامات وامام أي جهة رسمية مثل وزارة البنى التحتية. نعم، الاحلام الدنكوشوتية تراودهم لكنهم لن يحاولوا المكافحة والمحاربة على حقهم وان كان بيتزا، لانهم مجبولون بالخدمة والطاعة. كما أن الطعام العربي بالنسبة لهم هو أكثر من مجرد طعام فهو الطعام المحبب لدى رؤسائهم لذا فمن غير المنطقي أن يحارب من اجل البيتزا لان الحمص كان الهدية التي قدمها لساداته والحمص هو الذي جعل ساداته راضين عنه، فهو محب ومخلص للطعام العربي كاخلاصه لساداته.كما أن حبهم للمادة يتوقف في حالة تناقضه مع رغبة الاسياد فهو لن يبيع خبز الفصح لخوفه ورهبته من الاقوياء وليؤكد لهم على مدى وفائه وعلى جدوى وجوده بينهم.لا أنكر أن الرسائل التي يتلقاها المشاهد اليهودي من شخصية الاب هي بالغة الاهمية لكن برأيي أن تركيبة تلك الشخصية خيالية وغير واقعية، صحيح أن الخيال والمبالغة هما من أسس الادب والفن لكن عندما يكون العمل مكونًا من شخصيات واقعية جدًا فمن الصعب تفهم النشاز في عدم واقعية احدى الشخصيات وخاصة أنها ليست شخصية البطل. شخصية البطل (أمجد) تحتوي على جوانب خيالية لكنه البطل وبرأيي من حق الكاتب ادخال جوانب غير واقعية ليعبر من خلالها عن فكرة أو فئة أكبر وأشمل. فهو الاب العربي الآخر العصري الذي لا تراوده أحلام دونكوشوتية ويستصعب فهم تلك الاحلام. يحاول جاهدا الانخراط في المجتمع اليهودي وحتى يحاول ضمان انخراط ابنته المستقبلي في ذلك المجتمع المتقدم والحضاري بنظره، لكنه يصطدم بالواقع العنصري كما جاء في مشهد "حضانة السلام" التي ترفض العرب لمجرد عروبتهم وتحاول جاهدة تنفيرهم من الحضانة بواسطة التشديد على الاختلافات الحضارية والثقافية والدينية وتلجأ حتى لتشجيع العنصرية والتربية على الكراهية انتهاءً بالقتل ان لم يفهم "العربي الغبي" أو "طيب القلب"، بحسب تعريف زوجته له، أنه غير مرغوب به.محاولاته الحثيثة والدؤوبة الانخراط، أراها مبالغًا بها على مستوى الفرد لكنها تمثل واقعا نعيشه جميعا نحن الفلسطينين الاسرائيليين، نحاول جاهدين الاندماج والانخراط لكننا نصطدم بحائط العنصرية والقومجية المؤلمة.كل هذه الرسالة التي استصعبتْ جهات فلسطينية اسرائيلية أخرى أن يتم ايصالها للطرف اليهودي الاسرائلي، استطاع هذا العمل ايصالها بطريقة سلسة ومؤثرة للطرف الاخر. كما ان السلاسة التي تناول بها مضايقة الجنود الاسرائيليين للرعاة الفلسطينيين عن طريق تحويلها لنكتة فيها العنزة تميز قسوة ورهبة الزي العسكري الاسرائيلي والصوت الصادر من لابسه، مثيره للاحترام والتقدير.كما اعجبت بتشبيه الشاباك الاسرائيلي كصياد ساحرات يعطي قوة بيد أعوانه، من العرب، بتصفية حساباتهم الشخصية كما هو في حالة العمل الدرامي هذا، حيث الصِّهر يقوم بتصفية حساباته مع حماته المزعجة بواسطة الشاباك الاسرائيلي. هذا العمل لا يضحك على المصائب (شر البلية ما يضحك..) لكنه يضحك على التناقضات والمطبات التي يقع تحت تأثيرها جميع الاسرائيليين واحيانا هم انفسهم يحشرون انفسهم بتلك التناقضات.ختامًا، لا بد من ذكر أن العمل التلفزيوني بحاجة أيضا لممثلين وفعلا، كان ممثلو هذا العمل متميزون في تأدية دورهم باتقان وعمق جميلين.

No comments: